وصل البريطاني "مارك بيرتشيفال" للمرة الأولى إلى رومانيا، عام ألف وتسعمئة وثمانية وثمانين. بلدٌ من الكتلة الشيوعية لم يكن آنذاك معروفاً، هو شيئ رائع بالنسبة لكثير من الناس.
لقد غيرت تلك الرحلة حياته، وأصبح مارك الآن مواطناً رومانياً. نستمع معاً إلى قصة استقراره في رومانيا:
" أنا في رومانيا منذ مدة طويلة، أكثر من خمسة عشر عاماً، وقد أصبحت مواطناً رومانياً بشكل رسمي، في عام ألفين وسبعة عشر، عندما أدّيت القسم. فكرت في ضرورة هذه الخطوة، لكني اتخذت قراري بعد التصويت على خروج إنجلترا، من الاتحاد الأوروبي. لدي الآن جنسيتين، وأنا فخور كوني مواطن روماني، كما أني فخور لكوني مواطن إنجليزي، ومواطن أوروبي. وعندما أديت القسم، كنت مرتدياً الزي الوطني".
"مارك بيرتشيفال" إنجليزي، درس في جامعة لندن، الدراسات الأوروبية والقانون، مع تخصص في تاريخ أوروبا الشرقية والوسطى. يعرف لغات أجنبية عديدة، منها الرومانية والألمانية، واللاتينية. يعمل الآن كمحرر أعمال في بوخارست، لدى شركة متعددة الجنسيات في مجال التحرير والاستشارات المالية. وقد أثرت فيه خبرة الخمسة عشر عاماً التي اكتسبها في رومانيا بعمق، وهو يشعر الآن بأنه نصف روماني. سوف نكتشف كيف كانت تجربته في الحصول على الجنسية الرومانية فيما يلي:
" لم يبدو لي الأمر صعباً جداً. أنا مندمج إلى حد كبير، أعرف اللغة الرومانية، ولم يكن لدي مشكلة في تعلمها. أنهيت درجة الدكتوراه في التاريخ في لندن، حول العلاقات بين رومانيا وإنكلترا، وبالتالي أعلم التاريخ أيضاً. كان لا بد من دراسة كل شيء من أجل معرفة كل شيء. يوجد لدى السلطة الوطنية للجنسية دليل على الانترنت، يُعلمّك التاريخ والجغرافيا والثقافة والحضارة، وأربع مقاطع من النشيد الوطني، كما عليك أن تعرف الدستور، وبالتالي، هناك الكثير مما يجب عليك تعلمه. لم يكن كله جديداً بالنسبة لي، لكن كان علي دراسة كل شيء، كي أكون واثقاً بأني مستعد. لا أستطيع القول بأنه كان صعباً جداً من الناحية الإدارية. فقد احتجت إلى نحو أربعة أشهر كي أجهّز الأوراق، بعد أن قررت تقديم طلب الحصول على الجنسية. وضعت ملفّي في تشرين الثاني (نوفمبر) عام ألفين وستة عشر، انتظرت، وانتظرت، لم يكن لدي الصبر الكافي كي أتقدم للمقابلة، ولذلك كنت أذهب إليهم شهرياً. فيما بعد، أجريت المقابلة، وسارت الأمور بشكل جيد. بدأت المقابلة بالإملاء، أي يجب على أن أبرهن معرفتي الكتابة باللغة الرومانية. لقد أملوا علي من قانون ما أو من الدستور، لم أعد أتذكر جيداً. تأكدوا من أني أعرف الكتابة باللغة الرومانية، مع الأصوات الخاصة بها، وكانت هذه هي المرحلة الأولى. بعدها سألوني أسئلة من الدستور، ومن التاريخ، ومن الجغرافيا، وما هي الأسماك التي يمكن أن تجدها في دلتا الدانوب، أسئلة من هذه النوع، ومن ثم انتهوا بالدستور. كنت مستعداً جيداً أن أنشد النشيد الوطني، واقفاً على قدمي. قالوا لي: لا..لا.. إبقَ جالساً، هذا ليس احتفالاً، عليك فقط أن تقرأ. وبعدها ذهبت إلى احتفال القسم، لابساً الزي الوطني. لقد بدا لي أمراً رائعاً. أخذت دروساً خصوصية قبل الامتحان. ذهبت إلى مدرّسة كي أحضّر لامتحان الجنسية مع مجموعة أشخاص. تحدثت إلى صديقة المدرّسة المولعةٌ بالأزياء الوطنية، وقلت لها: رجاءً، لدي حفل القسم، وأود ارتداء الزي الوطني. وجدت لي قميصاً جميلاً جداً من فترة ما بين الحربين العالميتين، من منطقة "هونيدوارا".
تنقّلَ "مارك" في طول البلاد وعرضها، البلاد التي لم يتوصل إلى معرفتها فحسب، بل إلى حبها بعمق. لقد عرفها في فترات تاريخية مختلفة وفي مراحل تطورية مختلفة. لننظر كيف كانت رومانيا الشيوعية من خلال عيني "مارك بيرتشيفال":
" إنها بلد جميل جداً. أتيت إلى هنا للمرة الأولى عام ألف وتسعمئة وثمانية وثمانين، خلال فترة حكم "تشاوشيسكو". أتيت لأني أحب المغامرات، كما أحب الترحال. يتحدث الناس حينها عن رومانيا، كأسوأ نظام شيوعي في الكتلة الشرقية، ولذلك كنت فضولياً كي أرى كيف هي. الغريب، هو أنه لم يكن من الصعب زيارتها كسائح في ذلك الوقت. يمكنك المجيء بالقطار الدولي، بالتذاكر المخصصة للشباب. كما لم يكن الأمر صعباً بالنسبة لسمة الدخول (الفيزا)، حيث يمكنك الحصول عليها على الحدود، وأنت في القطار. مازال عالقاً في ذاكرتي ما اكتشفته حينما قدمت آنذاك. رأيت الشعارات في كل مكان: يعيش الحزب الشيوعي الروماني برئاسة أمينه العام، الرفيق نيكولاي تشاوشيسكو! عندما أتيت إلى بوخارست، أتذكر أن ما أدهشني هو ازدحام الحافلات الكهربائية، والحافلات العادية، لم يكن لدي خريطة، لم يكن لدي أي شيء. ذهبت أيضاً إلى "كونستانتسا" في أحد الأيام. لكن المدينة التي أثارت إعجابي إلى حد كبير كانت "براشوف". في تشرين الثاني (نوفمبر) عام ألف وتسعمئة وسبعة وثمانين، سمعت من الراديو، من أخبار الـ بي بي سي، عن فعاليات "براشوف" في الخامس عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) عام ألف وتسعمئة وسبعة وثمانين، فذهبت إلى هناك، في زيارتي الأولى إلى رومانيا. فكّرتُ حينها: واو، ما هذه المدينة الرائعة في ظل هذا النظام الشيوعي، وكل هذا الجنون! واو، ما هذا البلد الرائع، غير المعروف، رومانيا! وأعتقد أنه من ذلك الوقت، بدأ فضولي فيما يتعلق بهذا البلد".
عاد مارك إلى أراضينا في التسعينيات، حيث درس أولاً من خلال منحة، العلاقات الرومانية اليوغسلافية في معهد "نيكولاي إيورغا" للتاريخ في بوخارست. لقد تعلم اللغة الرومانية إلى حدّ الإتقان، واتخذ العديد من الأصدقاء، كما اندمج في النزل الطلابي الجديد. تمتد حياة مارك بين إنجلترا ورومانيا، لكنه يشعر بارتباطٍ عميقٍ بالقيم والثقافة الرومانية. ما هو الواقع هنا، وماذا تعني رومانيا بالنسبة لـ"مارك بيرتشيفال"؟
" لقد اندمجت، وكوّنت العديد من الأصدقاء، كما اندمجت ثقافياً. إنها بلد جميل جداً. تكمن المشكلة في النظام السياسي، وهذا هو الجانب السيء. يمكننا مشاهدة ضعف البنية التحتية، على سبيل المثال، وهي من الأشياء التي لا تسير بشكل جيد. ولكن، إذا وجهتم نظركم إلى ما يحدث في إنجلترا الآن، فهو ليس رائعاً بالطبع حتى هناك. أشعر بالسعادة لوجود حزب سياسي جديد، وهو نوع من التقدم، حتى بالنسبة لبرنامجه السياسي. شيئاً فشيئاً، نحقق التقدم المطلوب. ما أحبه هنا، هو الطعام، المناظر الطبيعية، الثقافة، أحب إلى حد كبير العادات والاحتفالات. عادات عيد الفصح في رومانيا رائعة. عندما يَقدُمُ عيد الفصح هنا، أحب الأطعمة التقليدية من لحم الخاروف. كما أن الطقوس الدينية جميلة جداً. أسكن قريباً من كنيسة القديس "إليفتيريه Elefterie" في "كوتروتشين"، والتي لديها فريق إنشاد مميز. ذهبت مرات عديدة إلى هناك. أحب الروحانية في التقاليد الرومانية، لكن عيد الفصح مميز بشكل خاص. ولسوء الحظ، فقد أصبح عيد الفصح بالنسبة للكثيرين في الغرب، نوعاً من عطلة نهاية أسبوع طويلة، لكنه هنا شيء خاص، وهو محط تقديري وإعجابي إلى حد كبير".
روابط مفيدة
Copyright © . All rights reserved