وُلدت "هنرييتا ستراتون" في مدينة أوكرانية، ضمن عائلة مجرية-أوكرانية-ألمانية، ولذلك فهي تأتي من بيئة غنية متعددة الثقافات
وصلت هنرييتا ستراتون إلى رومانيا بعد خبرة حياتية في كل من "بولندا" و"إسبانيا"، وهي مغرمة بالرقص، ومهتمة بالنبيذ، وخاصة النبيذ الروماني، الذي بدأت تتذوقه منذ عهد قريب. تُخبرنا كيف اتخذت قرارها بالمجيء إلى رومانيا، وما الذي شدّها في المقام الأول.
"شكراً على دعوتي. انتقلت إلى رومانيا منذ نحو ثلاث سنوات تقريباً، وأستطيع القول أني أحس كمواطنة أصلية. أعرف جيداً المدينة وظروف الحياة هنا. بالتأكيد، كانت الحياة مختلفة جداً بالنسبة لي في البداية، كما أن الانتقال كان مخيفاً حقاً، لأنني لم أكن واثقة من نفسي. في الواقع، كنت أبحث عن وظيفة، لأنني لم أستطع أن أجد شيئاً في جنوب إسبانيا، في "مالاقا"، حيث كنت أعيش حينها. إنه تحدٍّ كبير أن تحصل على وظيفة هناك، لأن شركات كثيرة هي شركات صغيرة، ولسوء الحظ، فإن الكثير منها لايعمل بشكل نظامي، ولا يوجد لديهم التصريحات المطلوبة من أجل النشاطات التي يقومون بها. بدأت بالبحث عن عمل على نطاق عالمي، بعد نحو ثمانية أشهر على إقامتي في إسبانيا. وجدت عرض عمل في "مالطا"، وآخر من "دبلن"، وآخر من "بوخارست"، أقول بصراحة، لقد اخترت "بوخارست"، لأنني كنت هنا لمدة نصف يوم منذ نحو ستة أو سبعة أعوام. كان علي تبديل القطار، وكان لدي بعض الوقت للتجول، لقد بدت لي مدينة مرحّبة جداً، بمواطنيها اللطيفين. كنت فرحة لأنني هنا وعلى مسافة قريبة من "أوكرانيا"، أستطيع أن أرى فرقاً هائلاً في التفكير، في الثقافة، يتحدث الناس الإنكليزية، إنهم حقاً أوروبيون. كل ذلك أثّر فيّ خلال نصف يوم، حيث بدا لي القدوم إلى هنا فكرة جيدة. وقد قررت تحمل هذه المخاطرة".
لقد أحب المواطنون الرومانيون "هنرييتا ستراتون" كثيراً، والتي كانت بالتأكيد بحاجة إلى المساعدة، كي تبدأ حياتها الجديدة هنا. كيف تأقلمت مع حياة "بوخارست"، وكيف استقبلتها المدينة؟
"إذا تحدثت عن الاستقبال الحار، فقد تجاوز إلى حد كبير ما كنت أتوقعه. بعد أن تم قبولي في العمل، وقبل نحو أسبوعين أو أكثر من وصولي إلى هنا، راسلني مديري المستقبلي عبر البريد الإلكتروني، وسألني إذا كنت بحاجة إلى أية مساعدة، فهو جاهز للمساعدة، ونصحني ما هي أفضل المناطق للسكن هنا. اتصل بي العديد من الناس وكتبوا لي أنهم سوف يساعدوني. كان شيئاً مثيراً، رغم عدم وجود تغطية لتكاليف الانتقال، أبدى الكثير من الناس رغبتهم بالمساعدة. فكرت أن هناك شيئاً غير طبيعي، لا يمكن أن يكون الأمر بهذه البساطة! وبعد ذلك، استأجرت شقة أحدهم لمدة أسبوع عبر أحد المواقع الإلكترونية، وبدأت البحث عن شقة كي أنتقل إليها. رأيت نحو عشر شقق في اليوم، اكتشفت المترو، الحافلات، القطار الكهربائي (الترامفاي)، وعرفت لاحقاً أنه لا يجب استخدام هذه الوسائط، لأنني أستخدم المترو، الذي يعمل بشكل جيد هنا. لكن الناس ساعدوني بشكل مستمر. تجولت في كل زوايا "بوخارست"، من ساحة "رومانا" حتى منطقة "بوخارست الجديدة"، وكذلك في أماكن أخرى لا أعرفها، وحيث لا يمكن حتى لخرائط "غوغل" أن تساعدني. من الممتع أن يعرف الناس أني أجنبية، وأني لا أعرف المكان، ورغبتهم في مساعدتي. لقد كانت أيامي الأولى هنا مليئة بالمشاعر".
في البداية، ترى "هنرييتا ستراتون" "بوخارست" كمدينة مرحّبة بشكل كبير، عالمية، أوروبية،. كيف ترى "بوخارست" الآن، بعد مضي ثلاثة أعوام؟
"بعد أن تستقر نهائياً في بلد ما، تصبح أكثر تطلباً، ولا تحتاج فقط مساعدة أحدهم كي تصعد في الحافلة الصحيحة. تبدأ رغبتك في الحياة الاجتماعية، في نشاط ثقافي ما، وهنا تبدأ الصعوبات. أعيش منذ ثلاث سنوات في "بوخارست"، ولا أتحدث اللغة الرومانية حتى الآن، وهذا ذنبي أنا، لكن الحياة هنا ليست ملائمة كفاية بالنسبة للأجانب. أعتقد أن رومانيا ليست معتادة حتى الآن، على أن فيها هذا العدد من الأجانب. هناك عدد قليل جداً من النشاطات التي يمكن للأجانب أن يشاركوا فيها. لا بد لرومانيا من أن تعدّ شيئاً أكثر ألفة للأجانب الذين يتنقلون في البلاد، إذ يصعب فهم البنية التحتية، ما لم تكن تتكلم اللغة الرومانية. يجب على الجميع أن يتكلموا اللغة الإنغليزية، في جميع المؤسسات العامة، بما فيها البريد، والشرطة، والمستشفيات، وطبيب الأسنان".
توظفت "هنرييتا ستاتون" لدى شركة متعددة الجنسيات، حيث تعمل هناك منذ ثلاث سنوات. تعرفت على العديد من الناس، وكوّنت أصدقاء. اكتشفت المدينة، بسلبياتها وإيجابياتها. اكتشفت التغير الحاصل وسألتها ماالذي يمكن الاحتفاظ به في "بوخارست"، ما هو الشيء الفريد هنا؟
"أعتقد أن الشيء الفريد هنا، أن الناس حساسين بالمعنى الإيجابي للكلمة، عندما يأتي الحديث عن ثقافتهم. أحب كثيراً حقيقة أن بلداً صغيراًـ يحافظ على هويته، ويرغب في عدم تضييعها. وبالتأكيد، إنه شيء من المهم المحافظة عليه. ومع كل هذه، على الرومانيين أن يكونوا أكثر انفتاحاً، وبرؤيا أكثر عالمية، وأن يتخذوا موقعاً كأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وليس فقط كرومانيين. ويجب عليهم التعود على هذا الوضع".
الآن، تتعلم "هنرييتا" اللغة التركية واللغة الإسبانية، إضافة إلى دروس في الرقص. وقريباً أصبحت مهتمة بالنبيذ الروماني، الذي تحبه كثيراً، والذي ترغب في الترويج له، حيث أنشأت مجموعة على الفايسبوك، من أجل الأجانب الذين يحبون النبيذ الروماني. الحياة في رومانيا ممتعة جداً، لكن "هنرييتا" لا ترغب في البقاء هنا على المدى الطويل. مالذي ستضعه في حقائبها عند المغادرة؟
"من المؤكد أنني سأشتاق لبعض الأشخاص. كنت سعيدة جداً عندما اكتشفت مدرسة الرقص التي أذهب إليها الآن، وأعرف أنني سأكون حزينة جداً عندما سيكون علي مغادرة رومانيا، وأساتذتي الرائعين، وكل الأشخاص المميزين الذين يعملون هناك. سوف أضع أيضاً في حقائبي بضع ذكريات جميلة لها علاقة بهؤلاء الأشخاص. سأفتقد طبيب أسناني، كما يمكنني أخذ شيء يذكرني بزملائي في دروس اللغة الإسبانية. أعرف أن علي معرفة النبيذ الروماني بأنواعه، وأنا سعيدة أنني بدأت بجلسات التذوق، منذ الأسبوع الماضي. أحتاج أيضاً بعض الوقت كي أكتشف نبيذي الروماني المفضل، لكني أعرف حتى الآن بعض العلامات التجارية المشهورة، اللواتي يتميزن بطعم محبب جداً، والتي روّجت لبعضها في البرتغال، في رحلتي الأخيرة لبعض الأشخاص، الذين لا يعرفون شيئاً عن صناعة النبيذ في رومانيا، ولذلك من المؤكد أنني سآخذ بضع زجاجات نبيذ في أمتعتي. ومن المؤكد أيضاً أنني سأحتفظ بحيّز لكل التاريخ الذي تعلمته عن رومانيا، كما أنني وبكل تأكيد سآخذ معي قطتيّ الموجودتين هنا.
روابط مفيدة
Copyright © . All rights reserved